الأربعاء، 31 يوليو 2013

الصرخي الحسني وفلسفة العدالة الإجتماعية إسوة بالإمام علي (عليه السلام)

الصرخي الحسني وفلسفة العدالة الإجتماعية إسوة بالإمام علي (عليه السلام) 

الكاتبة: طيبة المشرفاوي 




يعتبر الإمام علي بن ابي طالب النموذج الأنساني في التقوى، والزهد، والعدل ،والإستقامة ، والفروسية، والشجاعة؛ رجل الأنسانية الذي تدفقت منه الحكمة ، والفلسفة ،والعلم، هذا الحكيم والفيلسوف الزاهد الذي تشرب بالعلم والحكمة من إبن عمه سيد الأنبياء والمرسلين الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)  الذي قال: ( خير الناس من نفع الناس ) , تربى  وهو سيد الفصاحة والبلاغة والفروسية في كنف وأحضان النبوة، ليترجم ذلك عمليا  في أفعاله وأقواله , فنجد ذلك إصراره (عليه السلام) إلى تثبيت العدل الإجتماعي في سياسته وحكمه ، فقريش كسواها من العرب ، والمهاجرون كالأنصار ، والمضريون كاليمانيين ، والأوس كالخزرج ، والعرب كالموالي ، وهكذا ، وما استمع إلى دعاة التمييز بين المسلمين في شيء آنذاك .. ( فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه إثرة ، وقد فرغ الله من قسمته ، فهو مال الله ، وأنتم عباد الله المسلمون ، وهذا كتاب الله به أقررنا ، وله أسلمنا ، وعهد نبينا بين أظهرنا ، فمن لم يرض به فليتول كيف شاء ) حتى كان يقول (عليه السلام) : ( والله لو أعطيت الأقاليم السبعة ، على أن أظلم نملة في جلب شعيرة ... ما فعلت ) . 
 ومن كان هذا تفكيره فإنه لا يستجيب للدعوات المنحرفة عن الإسلام في شيء ، وها هو يحكم شرق الدنيا وغربها ، ويأتيه أخوه الأكبر عقيل بن أبي طالب يستميحه بره ، فيلتفت إلى ولده الإمام الحسن عليه السلام ويقول له : ( إذا خرج عطائي فخذ عمك واشترِ له ثوبين ونعلين ) ويلحف عقيل عليه في السؤال ، ويلحّ في الإستزادة فيحمي له حديدة يدنيها من جسده ، أو ينيلها إياه في يده ، وعقيل كفيف لا يبصر ، فيهوي إليها فيحترق بميسمها ، ويخور خوار ذي دنف . 
 وها هو خليفة الله في أرضه يخرج إلى السوق مع غلامه قنبر ، فيشتري ثوبين فحسب ، يزّين بألينهما وأحبهما غلامه ، لأنه في ميعة الصبا وعنفوان الشباب ، فينبغي أن يتجمل ! ! أما هذا الشيخ الفاني فقد أعرض عن الدنيا وأعرضت الدنيا عنه . 

     يتولى أمير المؤمنين الحكم ، ويخضع المتمردين ، ويجلس وحده في فناء ما يخصف نعله ، فيدخل عليه ابن عباس فيبادره الإمام : ما تساوي هذه النعل يا ابن عباس ؟ فيقول لا تساوي شيئاً ، فينبري الإمام : لخلافتكم أزهد عندي من هذه النعل . طبعاً وقطعاً ، فالحكم ليس غاية عند الإمام بل هو وسيلة إلى تطبيق قانون السماء في الأرض يقيم الحق ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، ويدفع الباطل ما وجد على ذلك أعواناً ، كيف لا؟  أليس وهو القائل :( وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى ، لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق )..؟!
 كان الإمام علي (عليه السلام ) يجمع كسر الخبز وأطرافه في جراب معلوم ويختمه ، فيسأل عن ذلك ، فيقول : أخشى هذين الغلامين ، يعني الحسن والحسين ، أن يلتّاه في سمن أو عسل ، وهو القائل : (والله لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القز ، ولكن هيهات أن يقودني هواي إلى تخيّر الأطعمة ، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع ، ولا طمع له في القرص ) . 
وفي شدة الصيف ، ووقدة القيظ يصوم شهر رمضان فتقدم له ابنته طبقاً فيه قرص من شعير ، وقدح من لبن ، وحفنة من جريش الملح ، فيقول لها :تريدين أن يطول وقوف أبيك بين يدي الله ، تقدمين له أدامين في طبق واحد ؟ ثم يختار الخبز والملح ويعزف عن اللبن ,,  إنها الشدة في ذات الله ، والتسليم للقناعة ورضا الله ، وحمل النفس على الزهد ، وهي في الوقت نفسه المثل العليا التي قلّ أن نجدها عند أحد ، أليس هو القائل الصادق :( إلا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه ، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد ) .
 وعلى نفس هذا المنهج الأسلامي الحقيقي الصادق سار المرجع السيد الصرخي الحسني , فكان (دام ظله) والذي كانت سيرته الخاصة بعدله وخشونته تملئ كل المفاهيم قبل أقواله وتوجيهاته ,عادلُ , حَسِن الأخلاق , يستقبل الكبير والصغير وشيخ العشيرة ورجل الدين بنفس الابتسامة ونفس الحفاوة ونفس التواضع ونفس الاسلوب ونفس طلاقة الوجه وبشاشته، لايفرق بين أحد وآخر , بل أزيد من ذلك لإنه مع الصغار تراه ينحني ليقبلهم ويلتقط معهم الصور التذكارية منحياً لهم ضامهم الى صدره الحنون، وما انحناؤه الا جبلٌ ينحني لبراعمه الصغار , حتى ذهب به الحال الى تقديم القهوة بنفسه ويده الكريمتين الى ضيوفه، انه الكرم والتواضع الكبيرين، وكما رغب ويرغب بإقامة دولة عادلة تحت حكم إسلامي حقيقي ، حكم علي بن أبي طالب ليس حكم طائفي يرتدي الدين انتهازا او يسير بالقالب الديني لتحقيق المآرب والمنافع الشخصية والخارجية , ولنتصور دعوة الاسلام بإقامة (دولة العدل الالهي) فلم يسمها دولة التشيع الإلهي أو دولة الإسلام الإلهي إنما دولة العدل الإلهي لأن العدل أساس الحكم ولو تساوى الجميع بالحقوق وأخذ كل فرد حقه لأرتقينا وصرنا في مقدمة الأمم والشعوب ولحسدنا من هب ودب .

ويصر السيد الصرخي على إقامة تلك الدولة بما يتسع له المجال والقدرة والظرف ويؤكد كلامه في بيانه الأول في السادس من تموز عام 2003 حيث يقول : (وطالبنا بإقامة حكومة إسلامية عادلة يحفظ فيها جميع حقوق الإنسان والحريات لجميع أبناء الشعب العراقي وبما لا يتنافى مع الشرع والأخلاق ، ويكون هذا تحت ولاية الفقيه العادل الجامع للشرائط الأعلم ظاهراً وواقعاً صدقاً وحقاً) بينما يعيش العالم العربي (عامة) والعراقي (خاصة) الشظف والبؤس والحرمان ، وهو يريد أن يعيدهم إلى الجادّة ، ويحملهم على المحجة البيضاء , حتى يكون الراعي كالرعية ، والأمير كالمأمور ، كلّهم في شرع الحق سواء . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق